أجزم بأنني تعلمت كلمة دير بالك مع كلمة ماما أو ربما
قبلها بقليل، ومع أن ذاكرتي لا تحمل أيّ صورة أو تاريخ لتلك الواقعة إلا أنني
متأكدة بأن هذا التعبير كان ركنا أساسيا في بناء أبجديتي..
الحكاية بدأت منذ اللحظة التي أبصرت فيها عيناي النور
الباهر المنبعث من إضاءة غرفة التوليد ، فالطبيبة التي سحبتني من رحم أمّي قالت
للممرضة التي تلقفتني من يديها: ديري بالك! وعندما ناولتني لأمي كي تضمني لصدرها
للمرّة الأولى همست الممرضة في أذنها: ديري بالك! وعندما دخلت جدتي الغرفة أخذتني
من يدي أمّي لتتفحصني فنبهتها أمّي: ديري بالك! وقبل أن يتعرف عليّ أبي كانت جموع
الأصدقاء وأفراد العائلة على أبواب الغرفة تبارك له ما رزق به وتحثّه بعشرات ديرات
البال على أن يدير باله على ابنته الجديدة..
وهكذا، دخلت الدنيا على وقع كلمة ديري بالك التي بدأت
تلوّن عالمي الجديد من أوّل ثوان لي فيها..
ديري بالك، لا تتسلقي العتبة ستقعين!
ديري بالك، لا تأكلي البسكوت ستختنقين!
ديري بالك، لا تمسكي القلم ستعورين!
ديري بالك، لا تخلعي معطفك ستمرضين!
ديري بالك، لا تبعدي عنّا ستضيعين!
ديري بالك، لا تقفي بسرعة ستدوخين!
ديري بالك، لا تجيبي ببطء سترسبين!
ديري بالك، لا تفكري باستمرار ستتعبين!
ديري بالك، لا تحلمي كثيرا ستحبطين!
فوجدت نفسي أكبر بين جيل أعظم مغامرة له تجربة طبق جديد
على قائمة مطعم لأوّل مرّة..
فلا مكتشف بحار
بيننا، ولا رائد فضاء، أو رحّالة مغامر، أو مخترع مبتكر..
كلنا سمعنا الكلام ودرنا بالنا من كل شئ وأصبحنا لا شئ.